سورة غافر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)}
{التنادي} ما حكى الله تعالى في سورة الأعراف من قوله: {وَنَادَى أصحاب الجنة أصحاب النار} [الأعراف: 44] {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة} [الأعراف: 50] ويجوز أن يكون تصايحهم بالويل والثبور. وقرئ بالتشديد: وهو أن يندّ بعضهم من بعض؛ كقوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ} [عبس: 34] وعن الضحاك: إذا سمعوا زفير النار ندّوا هرباً، فلا يأتون قطراً من الأقطار إلاّ وجدوا ملائكة صفوفاً، فبيناهم يموج بعضهم في بعض، إذ سمعوا منادياً: أقبلوا إلى الحساب {تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} عن قتادة منصرفين عن موقف الحساب إلى النار.
وعن مجاهد: فارّين عن النار غير معجزين.


{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)}
هو يوسف بن يعقوب عليهما السلام. وقيل: هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب: أقام فيهم نبياً عشرين سنة. وقيل: إن فرعون موسى هو فرعون يوسف، عمر إلى زمنه، وقيل: هو فرعون آخر. وبخهم بأن يوسف أتاكم بالمعجزات فشككتم فيها ولم تزالوا شاكين كافرين {حتى إِذَا} قبض {قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً} حكماً من عند أنفسكم من غير برهان وتقدمة عزم منكم على تكذيب الرسل، فإذا جاءكم رسول جحدتم وكذبتم بناء على حكمكم الباطل الذي أستسموه، وليس قولهم: {لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً} بتصديق لرسالة يوسف، وكيف وقد شكوا فيها وكفروا بها، وإنما هو تكذيب لرسالة من بعده مضموم إلى تكذيب رسالته. وقرئ: {ألن يبعث الله} على إدخال همزة الاستفهام على حرف النفي، كأن بعضهم يقرّر بعضاً بنفي البعث. ثم قال: {كَذَلِكَ يُضِلُّ الله} أي مثل هذا الخذلان المبين يخذل الله كل مسرف في عصيانه مرتاب في دينه {الذين يجادلون} بدل من {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} فإن قلت: كيف جاز إبداله منه وهو جمع وذاك موحد؟ قلت: لأنه لا يريد مسرفاً واحداً، فكأنه قال: كل مسرف.
فإن قلت: فما فاعل {كَبُرَ}؟ قلت: ضمير من هو مسرف.
فإن قلت: أما قلت هو جمع، ولهذا أبدلت منه الذين يجادلون؟ قلت: بلى هو جمع في المعنى. وأما اللفظ فموحد، فحمل البدل على معناه، والضمير الراجع إليه على لفظه، وليس ببدع أن يحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى، وله نظائر، ويجوز أن يرفع الذين يجادلون على الابتداء، ولا بدّ في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع إليه الضمير في كبر، تقديره: جدال الذين يجادلون كبر مقتاً، ويحتمل أن يكون {الذين يجادلون} مبتدأ؛ و{بِغَيْرِ سلطان أتاهم} خبراً، وفاعل كبر قوله: {وكذلك} أي كبر مقتاً مثل ذلك الجدال، و{يَطْبَعُ الله} كلام مستأنف، ومن قال: كبر مقتاً عند الله جدالهم، فقد حذف الفاعل والفاعل لا يصحّ حذفه. وفي {كَبُرَ مَقْتاً}: ضرب من التعجب والاستعظام لجدالهم، والشهادة على خروجه من حدِّ إشكاله من الكبائر. وقرئ: {سلطان} بضم اللام. وقرئ: {قلب} بالتنوين، ووصف القلب بالتكبر والتجبر، لأنه مركزهما ومنبعهما، كما تقول: رأت العين، وسمعت الأذن. ونحوه قوله عزّ وجل {فإنه آثم قلبه} [البقرة: 283] وإن كان الآثم هو الجملة. ويجوز أن يكون على حذف المضاف، أي: على كل ذي قلب متكبر، تجعل الصفة لصاحب القلب.


{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)}
قيل: الصرح: البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد، اشتقوه من صرح الشيء إذا ظهر، و{أسباب السماوات} طرقها وأبوابها وما يؤدي إليها، وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه، كالرشاء ونحوه، فإن قلت: ما فائدة هذا التكرير؟ ولو قيل: لعلي أبلغ أسباب السموات لأجزأ؟ قلت: إذا أبهم الشيء ثم أوضح كان تفخيماً لشأنه، فلما أراد تفخيم ما أمل بلوغه من أسباب السموات أبهمها ثم أوضحها، ولأنه لما كان بلوغها أمراً عجيباً أراد أن يورده على نفس متشوفة إليه، ليعطيه السامع حقه من التعجب، فأبهمه ليشوف إليه نفس هامان، ثم أوضحه. وقرئ: {فأطلع} بالنصب على جواب الترجي، تشبيهاً للترجي بالتمني. ومثل ذلك التزيين وذلك الصدّ {زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السبيل} والمزين: إما الشيطان بوسوسته، كقوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل} [النمل: 34] أو الله تعالى على وجه التسبيب، لأنه مكن الشيطان وأمهله. ومثله: {زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم فَهُمْ يَعْمَهُونَ} [النمل: 4]. وقرئ: {وزين لهم سوء عمله} على البناء للفاعل والفعل لله عزّ وجلّ، دلّ عليه قوله: {إلى إله موسى} وصدّ، بفتح الصاد وضمها وكسرها، على نقل حركة العين إلى الفاء، كما قيل: قيل. والتباب: الخسران والهلاك. وصدّ: مصدر معطوف على سوء عمله وصدّوا هو وقومه.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10